سورة طه - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


هذه مخاطبة من موسى عليه السلام لجميع بني إسرائيل مبيناً لهم، وقوله تعالى: {وسع كل شيء علماً} بمعنى وسع علمه كل شيء. و{علماً} تمييز، وهذا كقوله تفقأت شحماً وتصببت عرقاً، والمصدر في الأصل فاعل ولكن يسند الفعل إلى غيره وينصب هو على التمييز، وقرأ مجاهد وقتادة {وسَّع كل شيء} بفتح السين وشدها بمعنى خلق الأشياء وكثرها بالاختراع فوسعها موجودات، وقوله تعالى: {كذلك نقص} مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي كما قصصنا عليك نبأ بني إسرائيل هذا في خبر العجل {كذلك نقص عليك} فكأنه قال هكذا نقص عليك فكأنها تعديد نعمته، وقوله {ما قد سبق} يريد به ما قد سبق مدة محمد صلى الله عليه وسلم، والذكر القرآن، وقرأت فرقة {يحمَّل} بفتح الميم وشدها. وقوله {من أعرض عنه} يريد بالكفر به والتكذيب له، والوزر الثقل وهو هاهنا ثقل العذاب بدليل قوله تعالى: {خالدين فيه} و{حملاً} تمييز، و{يوم} ظرف، و{يوم} الثاني بدل منه وقرأ الجمهور {يُنفخ} بضم الياء وبناء الفعل للمفعول، وقرأت فرقة {يَنفخ} بفتح الياء وبناء الفعل للفاعل، أي ينفخ الملك. وقرأ أبو عمرو وحده {ننفخ} بالنون أي بأمرنا وهذه القراءة تناسب قوله {ونحشر}. وقرأ الجمهور {في الصور} بسكون الواو، ومذهب الجمهور أنه القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل وبهذا جاءت الأحاديث، وقالت فرقة {الصوَر} جمع صورة كثمرة وثمر. وقرأ ابن عياض {ينفخ في الصوَر} بفتح الواو وهذه صريحة في بعث الأجساد من القبور، وقرأت فرقة هي الجمهور، {ونحشر} بالنون، وقرأت فرقة {ويحشر} بالياء، وقرأت فرقة {ويُحشر} بضم الياء {المجرمون} على المفعول الذي لم يسم فاعله، وهي قراءة مخالفة لخط المصحف وقوله: {زرقاً} اختلف الناس في معناه، فقالت فرقة يحشرهم أول قيامهم سود الألوان زرق العيون تشويه ما ثم يعمون بعد ذلك وهي مواطن، وقالت فرقة إنهم يحشرون عطاشاً والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض فكأنهم بيض سواد عيونهم من شدة العطش، وقالت فرقة أراد زرق الألوان وهي غاية في التشويه لأنهم يجيئون كلون الرماد، ومهيع كلام العرب أن يسمى هذا اللون أزرق ومنه زرقة الماء قال الشاعر: [زهير بن أبي سلمى] [الطويل]
فلما وردن الماء زرقاً جمامه *** وضعن عصي الحاضر المتخيم
ومنه قولهم سنان أزرق لأنه نحو ذلك اللون.


أي يتخافت المجرمون {بينهم} أي يتسارون، المعنى أنهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر المدة التي لبثوها، واختلف الناس فيماذا، فقالت فرقة في دار الدنيا ومدة العمر، وقالت فرقة في الأرض مدة البرزخ، وقالت فرقة ما بين النفختين في الصور، و{أمثلهم طريقة} معناه أثبتهم يقيناً وأعلمهم بالحقيقة بالإضافة إليهم فهم في هذه المقالة يظنون أن هذا قدر لبثهم والضمير في قوله تعالى: {ويسألونك} قيل إن رجلاً من ثقيف سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يكون أمرها يوم القيامة، وقيل بل سأله عن ذلك جماعة من المؤمنين، وقد تقدم معنى النسف. وروي ان الله تعالى يرسل على الجبال ريحاً فتدكدكها حتى تكون {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] ثم يتوالى عليها حتى يعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف وقوله تعالى: {فيذرها} يحتمل أن يريد مواضعها، ويحتمل أن يريد ذلك التراب الذي نسفه، لأنه إنما يقع على الأرض باعتدال حتى تكون الأرض كلها مستوية، والقاع المستوي من الأرض المعتدل الذي لا نشز فيه ومنه قول ضرار بن الخطاب: لتكونن بالطباخ قريش، بقعة القاع في أكف الماء. والصفصف نحوه في المعنى، والعوج ما يعتري اعتدال الأرض من الأخذ يمنة ويسرة بحسب النشز من جبل وطرق وكدية ونحوه، والأمت ما يعتري الأرض من ارتفاع وانخفاض، يقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتاً فكأن الأمت في الآية العوج في السماء تجاه الهواء، والعوج في الآية مختص بالعرض وفي هذا نظر.


المعنى يوم ننسف الجبال يتبع الخلق داعي الله إلى المحشر وهذا نحو قوله تعالى {مهطعين إلى الداع} [القمر: 8] وقوله تعالى {لا عوج له} يحتمل أن يريد الإخبار به أي لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره، ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباعه والمشي نحو صوته. والخشوع التطامن والتواضع وهي الأصوات استعارة بمعنى الخفاءِ والاستسرار ومعنى {للرحمن} أي لهيبته وهول مطلع قدرته، والهمس الصوت الخفي الخافت وقد يحتمل أن يريد بالهمس المسموع تخافتهم بينهم وكلامهم السر، ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وأن أصوات النطق ساكنة. و{من} في قوله {إلا من} يحتمل أن يكون الاستثناء متصلاً وتكون {من} في موضع نصب يراد بها المشفوع له فكأن المعنى {إلا من أذن له الرحمن} في أن يشفع له، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً على تقدير لكن من أذن له الرحمن يشفع ، ف {من} في موضع نصب بالاستثناء ويصح أن يكون في موضع رفع كما يجوز الوجهان في قولك ما في الدار أحد إلا حماراً وإلا حمار والنصب أوجه {من} على هذه التأويلات للشافع ويحتمل أن تكون للمشفوع فيه. وقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} قالت فرقة يريد الملائكة، وقالت فرقة يريد خلقه أجمع، وقد تقدم القول في ترتيب ما بين اليد وما خلف في غير موضع على أن جماعة من المفسرين قالوا في هذه الآية {ما خلفهم} الدنيا و{ما بين أيديهم} أمر الآخرة والثواب والعقاب، وهذا بأن نفرضها حالة وقوف حتى نجعلها كالأجرام وأما إن قدرناها في نسق الزمان فالأمر على العكس بحكم ما بيناه قبل. {وعنت} معناه ذلت، والعاني الأسير ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر النساء: «هن عوان عندكم»وهذه حالة الناس يوم القيامة. وقال طلق بن حبيب: أراد سجود الناس على الوجوه والآراب السبعة.
قال القاضي أبو محمد: وإن كان روي هذا أن الناس يوم القيامة سجوداً وجعل هذه الآية إخباراً فهو مستقيم وإن كان أراد سجود الدنيا فإنه أفسد نسق الآية، و{القيوم} بناء مبالغة من قيامه عز وجل على كل شيء بما يجب فيه، و{خاب} معناه لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه، والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك على الإطلاق، وخيبة المعاصي مقيدة بوقت وحد في العقوبة.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11